الجزء الثالث : التعامل مع النقاشات العقيمة

هدف الذباب الإلكتروني هو التأثير على الرأي العام لغايات ومصالح تفيد مشغلي الذباب، ومن أبرزها: محاولة شق الصف بين الشعب والحكومة المؤقتة إشغال الناس بتيارات ومهاترات جانبية بعيدًا عن أهدافها الأساسية. يمكنك معرفة كيف تتفاعل مع أساليب النقاش هذه بعد معرفة الاستراتيجيات المتبعة فيها.

الاستراتيجية الأولى: نقل الهدف (Moving the goalpost)

وهو تكتيك في النقاشات يركز على تجنب تثبيت نقطة محددة في النقاش ونقل النقطة النهائية بشكل مستمر، الهدف من هذا التكتيك غالبًا إضاعة الجهد في نقاشات لا نهائية دون أن يكون لدى الشخص اهتمامًا بتغيير رأيه.

مثال على هذا: يناقش أحدهم أن وضع سوريا اليوم أسوأ من وضعها في وقت الأسد، فترد عليه بمقارنة بين الحالين يشمل نقاطًا تظهر التحسن كتوقف القصف أو تحرير الأسرى، فيرد عليك بأن السلطة الحاكمة اليوم يقودها شخص على لوائح الإرهاب، هنا ينقل الهدف من النقاش من كونه حول “مقارنة بين السلطة اليوم وعهد الأسد” إلى كونه حول “صفة السلطة اليوم بنظر المجتمع الدولي والمحلي” ومهما كان ردك في هذه الحالة فأنت قد خسرت النقاش بالفعل.

  • العودة للنقطة الرئيسية وتجاهل النقطة سيعتبر تهربًا من الرد. ولو أشرت لهذا التكتيك بالاسم وحاولت حصر النقاش فلن ينجح الأمر خصوصًا في النقاشات التي يرد أحد طرفيها من حساب وهمي.
  • الرد على النقطة الجديدة سيؤدي إما لعرض حجة ضعيفة تخسر فيها النقاش أو لحجة قوية يحرك فيها الهدف مرة أخرى، كأن يسألك عن محاسبة قادات الفصائل، أو الانتهاكات الحاصلة، أو فشل الحكومة اقتصاديًا، أو التوغل الإسرائيلي.
  • السؤال عن الغرض من النقاش سيجعلك تظهر بمظهر المتردد.

الحل في هذه الحالة هو مزيج من النقاط الثلاثة مجتمعة
ترد فيها على النقطة الجديدة، تعود فيها للنقاش الأصلي، تؤكد على نقطتك المذكورة في النقاش الأول، وتشير للتكتيك المتبع ثم تطالب بقطع الطريق على تحريك الهدف المستمر والوصول للخلاصة - كل هذا في رد واحد.

مثال: لا يمكن مقارنة النظام السابق بالحالي بسبب الإجرام الممنهج بحصانة مطلقة من جنوده وضباطه وتحت تعليمات مباشرة من الرئاسة و بأسلحة مصممة لتحقيق أكبر ضرر ممكن مثل الكيماوي والبراميل، بالمقابل لا تتبع السلطة الجديدة أي أساليب دمار عشوائية وتحاسب المنتهكين ولا تقدم الحصانة لأي أفرادها وتقوم بأفضل ما يمكن لحقن الدماء نظرًا للوضع الطائفي المحتقن في البلاد كتركة للنظام الأسدي.

ماذا عن الرئيس الإرهابي؟ هل هذا رئيس يؤخذ بكلامه أو يعتمد عليه أو يمكن أن تثق به؟ الرئيس الحالي هو الوحيد القادر على ضبط الفصائل وتوحيدها وهو الأكثر مرونة وخبرة بين قادتها مهما كان تصنيفه على قوائم الإرهاب العالمية أو ماضيه الذي لا يحاول إخفاءه. يمكنك الاعتراض عليه في سياق ماضيه وأفعاله السابقة، لكن لا علاقة لهذا بكفاءته في الحكم. ولا علاقة لكل هذا بالمقارنة بين نظام الأسد والسلطة الحالية. علينا تثبيت الهدف من السؤال بدلاً من تحريكه كل مرة: هل مشكلتك مع السلطة أنها مشابهة لنظام الأسد؟ أم لأنك لا ترغب بفئة مخالفة لك فكريًا أن تستلم الحكم؟ أم أن استلامهم اليوم سيكون له ضرر أكبر من النفع القادم من سقوط النظام؟ ولماذا؟

الاستراتيجية الثانية: التصيد بالماء العكر (Fishing in troubled waters)

وهو تكتيك لإضاعة الوقت والجهد وزيادة الاستقطاب في ساحة الحوار يلجأ فيه الشخص لطرح نقاط خاطئة أو مساء فهمها لإضاعة جهد المقابل وحصره في قالب غير عادل.

مثال على هذا:
استنكار واستهجان بعض المحللين لفكرة “تقييد الحريات بالقانون” المذكورة في لقاء الشرع الأول مع تلفزيون سوريا، رغم أن هذه الفكرة موجودة في كل الدول “الحرة” الغربية التي تحدد حرية التعبير كقوانين منع إنكار الهولوكوست في ألمانيا وغيرها.

يعتمد من يقوم بهذا النوع من التصيد على حقيقة أن كثيرًا من المحاورين لا يعلمون بالفعل معنى ضبط الحرية بالقوانين، وبعضهم لم يحضر المقابلة التي توضح فيها المقصد، وبعضهم غير قادر على صياغة رأيه بدقة، فيظهر صاحب التصيد نفسه منتصرًا في النقاش رغم ضعف حجته وتصيده لنقطة نقاش غير صحيحة بالمجمل.

مثال آخر على التصيد برز في مقابلة أحمد الشرع مع الصحفيين البريطانيين، حيث قال “كنت مقاتلا ليس لأجل القتال وكنت رئيسا ليس لأجل الرئاسة” وتم تحريف العبارة على نفس البنية، حيث اقتبس كلامه على أنّه “كنتُ مقاتلاً، لكن ليس لأنني رغبتُ في القتال. واليوم أنا رئيس، ولكن ليس لأنني رغبتُ في أن أكون رئيساً” والمعنى المختلف واضح لأي ناطق بالعربية. الأولى “ليس الهدف هو القتال أو الرئاسة، وإنما هدف آخر” بينما في الثانية “لا أرغب بالرئاسة ولا القتال”.

الاستراتيجية الثالثة: خلط المسائل (Mixing issues)

تكتيك لإضاعة المحاور الكبرى في النقاش عبر إدخال نقاط أخرى تصعب عملية تحليل الحجة ونقدها والوصول لصلبها ودحضه.

مثال على هذا:
توقف الرواتب على الفاسدين في حكومة النظام وقرار فصلهم، وتهديد بعض الناس بحصول ثورة جياع بسبب هذا. رغم أن هؤلاء بالفعل ستسوء أحوالهم ونسبة كبيرة منهم لم تكن غنية بسبب هذا الفساد بل عاشت بحدود النجاة بسببه، إلا أن هذا يتجاهل النقاش الأكبر، وهو أن رواتب هؤلاء الحقيقية لا تكفي بكل الأحوال للمعيشة، وأن فسادهم هو المصدر الفعلي للدخل، وأن جزءًا كبيرًا من هؤلاء وجوده حمل على مؤسسات الدولة وهو يساهم بالفعل بإجاعة أصحاب الحق والمخلصين من الموظفين. يخلط أصحاب الرأي هؤلاء أيضًا بين ما قام به النظام السابق ويحملون مسؤوليته وحله على الحكومة الجديدة دون موضوعية في نسب الخطأ لجهته الأصلية. وبهذا تضيع القضية المحورية في سياق مكافحة الفساد ومصدر الدخل غير المشروع لهؤلاء والتهاون والإنسانوية المفرطة في التعاطف مع المجرمين على حساب أصحاب الحقوق الفعليين.

يعتمد من يطرح المواضيع بهذا النمط على حصر تركيز الناس في نقطة واحدة يجيد الرد عليها مع إغراق المقابل بنقاط عديدة توهمه بتعقيد المشكلة أو تسعى لإخضاعه بسبب ضخامة المشكلة وتعقيدها.

الاستراتيجية الرابعة: التحامل (Blaming the target)

تكتيك في النقاشات يقوم فيه الطرف المقابل بتحميلك كل المشاكل الموجودة دون الاعتراف بالمسؤول الفعلي عن المشاكل أو أسبابها الموضوعية أو إمكانية حلها.

مثال على هذا:
يحمل أحدهم الحكومة السورية الجديدة مسؤولية انقطاع الكهرباء الطويل متجاهلًا حقيقة أن المشكلة مستمرة من وقت النظام، ويتبع هذا التحامل بطلب غير واقعي كأن يطلب تنحي الحكومة بالكامل “إن لم تكن قادرة على حل المشاكل” بغض النظر عن وقت الحكم وظروف البلاد.

يعتمد من يقوم بهذا التحامل على حقيقة أن الطرف المقابل يعترف بوجود المشكلة سلفًا، وأن إنكارها مستحيل. والإشارة لمصدر المشكلة سيرد عليه.

الاستراتيجيات المتبعة في النص تهدف إلى إضعاف الحوار المنطقي وإرباك الطرف المقابل، مما يجعل الرد على هذه التكتيكات يتطلب وعيًا بالأساليب المتبعة والقدرة على العودة للنقاش الأساسي دون الاستسلام لمحاولات التشتت أو التحريف.